الأخبار المصرية والعربية والعالمية واخبار الرياضة والفن والفنانين والاقتصاد من موقع الاخبار طريق الاخبار

اخبار النجوم والفنفنون تشكيلية، فنون جميلة، موسيقى › رئيس جمعية " أصالة " لـ"محيط" : من يعيد الحياة لبيوت النوبة الشعبية ؟

صورة الخبر: رئيس جمعية " أصالة " لـ"محيط" : من يعيد الحياة لبيوت النوبة الشعبية ؟
رئيس جمعية " أصالة " لـ"محيط" : من يعيد الحياة لبيوت النوبة الشعبية ؟

كثيرا ما تقف الشعوب عاجزة أمام الكوارث الطبيعية إذ تحدث فجأة بلا مقدمات ، وقد تعرضت منطقة جنوب الصعيد في مصر في الآونة الأخيرة لخطر السيول التي تسببت في خسارة المساكن الشعبية ذات الطابع التراثي الخاص ، وكانت مبنية بأيدي الأهالي من الطين والحجارة أو الطوب اللبن ، وبالتالي فهي بيوت صحية لإنسان المناطق الحارة وذات طابع جمالي فريد وكانت تزيدها بهاءً تلك الرسوم الشعبية التي يتفنن الأهالي في إبداعها رغم وجودهم بقرى فقيرة .. فكانت محط إبهار لكل يراها وخاصة من محبي العمارة حول العالم .



ولكن المشكلة بتعهد الحكومة المصرية لإحدى شركات المقاولات الكبرى لبناء وحدات سكنية جديدة لهؤلاء الأهالي كي لا يواجهوا خطر التشرد ، ولكنها تناست قيمة البيوت النوبية وأن الأولى هو أن تبني بيوتا بنفس الطابع الأول الذي اتسم به هذا المكان ، ولا تبني بيوتا ضيقة من طوابق كثيرة من الأسمنت والخرسانة والطوب الأحمر ، وبذلك تضيع روح المكان النوبي وسماته الفريدة ، ومن المؤسف صمت كثير من المثقفين عن هذه القضية ، لذا تحدثت " محيط " مع الفنان والناقد عز الدين نجيب رئيس جمعية " أصالة " لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة والذي أثارت مقالته المنشورة بالصحافة مؤخرا انتباه الرأي العام لخطورة هذه المسألة .





محيط: في رأيك ما مصدر المشكلة في تحول مباني تلك القرى التراثية الجميلة إلى مباني خرسانية ؟

أرى أن عوامل عديدة شاركت في هذا القرار منها مجتمعية وسياسية واقتصادية وثقافية، وأظن أن العامل الثقافي هو أكثرها أهمية، لأنه يدخل في صميم الهوية الثقافية لأبناء هذه المنطقة "جنوب الوادي"، التي تشترك مع أهالي النوبة في البنية المتوارثة، وهم يحملون ذكرى مريرة من فترة التهجير في الستينيات عند بناء السد العالي، ونقلهم إلى منطقة كومومبو في مباني أسمنتية خانقة، جعلتهم يشعرون بأنهم اقتلعوا من ديارهم، ليحكم عليهم بالسجن في هذه المباني التي فقدت كل العوامل الإنسانية المتوفرة في بيوتهم القديمة التي غرقت في بحيرة السد، وهو بلا شك منعكس في شعورهم بالظلم بل وبعدم الانتماء، فما الوطن إلا البيت وذكرى الميلاد والارتباط الأسري والعادات والتقاليد والقيم التي يتربى عليها الإنسان، فإذا انتزع هذا كله وألقي به بعيدا عن ذلك، سيفقد الإنسان التكيف مع بيئته ولن ينتمي لها .



أما الجانب البيئي فهو فرض نموذج من العمارة القبيحة بخامات دخيلة على البيئة تؤدي إلى مزيد من الاختناق بالحرارة الزائدة، وتحرم الأسرة من الأماكن التي تتعايش مع المكان المفتوح، متمثلا في الأحواش أمام البيت وخلفه، ومحرومة أيضا من وسائل التهوية الطبيعية متمثلة في البناء بخامات البيئة سواء من الطين أو الحجارة، وبأسلوب القباب والأقبية، وفقا للنظرية التاريخية العبقرية في العمارة التي استلهم منها شيخ المعماريين "حسن فتحي" نظريته المعروفة، وهذه الناحية تقودنا أيضا إلى الجانب الاقتصادي؛ لأن البناء بخامات البيئة أقل من ثلث تكلفة البناء بالخامات الخرسانية، وحتى لو لم يتحمل الأهالي هذا الفرق فإنه في النهاية محسوب عليهم " بالمن والأذى " من الدولة وأجهزة الإعلام، وهم أبرياء من المسئولية عنهم، فضلا عن أنهم غير منتفعين به.



محيط: ماذا هي إنتقادات بالتحديد للحكومة في مشكلة بيوت النوبة ؟


هنا أتطرق للجانب السياسي من المشكلة التي ذكرت أن عواملا عديدة تضافرت فيها ؛ لأنه لو كان هناك اعتراف بالحد الأدنى من حقوق المواطنين، لكانت الحكومة قد استشارتهم في قرارها حول طريقة بناء بيوتهم البديلة عن التي جرفها السيل ، وبغير أن يشعر هؤلاء بقيمة رأيهم لدى الحكومة فلماذا يتحركون للمشاركة السياسية في أي حدث ، من البديهي ألا يفعلوا ذلك لأنهم لا يعاملون كمواطنين لهم حق الاختيار والمشاركة .

ومن عجب أن أهل هذه المنطقة وغيرهم في مناطق نائية في مصر قد اعتادوا أن يبنوا بيوتهم بالمشاركة الشعبية، حيث يتعاون أبناء القرية أو الحي في بناء المبنى الذي يشرع فيه أحدهم، دون اعتماد على بنائين محترفين، فكل واحد منهم يعرف أصول البناء، ويقدم عونه متطوعا ومحبا لجاره أو لأهل منطقته.



وكانت بيوت النوبة بطرازها القديم تربط بين سكانها عوامل ترابط قوية ،وكانت الأسرة الممتدة 0 أو التي تضم عدة أجيال من الأجداد للأحفاد – يعيشون بداخل البيت الواحد ، وهي ما يسمى في الثقافة الشعبية المصرية بـ" العزوة" ، وكل هذا غير متاح في البيوت الجديدة الصغيرة المنفصلة .



كما أن الحكومة قد غالت في تكاليف إنشاء تلك البيوت لصالح من أراهم " فئة المنتفعين في الخفاء" ، وهنا أتساءل عن دور جهات المجتمع المدني ، منظمات حقوق الإنسان ، نقابة الفنانين التشكيليين ، وزارة الثقافة ، أكاديمية الفنون الشعبية ، أقسام العمارة بكليات الفنون الذين يعلمون أهمية وضع طرز العمارة التي تستفيد من خامات البيئة وتعبر عن هوية ناسه ، وأين أيضا دور نقابة المهندسين التي تعرف خطورة البناء بالمواد الخرسانية والأنماط المغلقة في مثل هذه البيئة شديدة الحرارة إلى جانب فساد الذوق الفني فيها؟، وأين الكتاب والصحفيون .. الإجابة : لا أحد .



ولكن من جهة أخرى ، فإن سلبية الناس ربما أسوأ من بيرقراطية الدولة ، فقد استسلموا لقرار الجهات الإدارية دونما اعتراض أو تعبير عن رغباتهم الحقيقية ، وما أخشاه حقيقة أن يكون لدى عدد من أبناء هذه المنطقة وعي زائف بمعنى التحضر؛ حيث يظنون أن البناء بالأساليب التقليدية القديمة هو نوع من التخلف الحضاري، يجعلهم أدنى من أقرانهم الذين يعيشون في البيوت المبنية بالأسمنت والحديد، وهو ما لاحظناه في تغير أسلوب العمارة التقليدية الرائعة بمناطق مثل الواحات الخارجة والداخلة وسيوة؛ حيث هجر الأهالي هذه البيوت الطينية المتوارثة وبنوا بيوتهم بعيدا عنها بالأسمنت والخرسانة المسلحة !.

محيط: ما هي الخصوصية التي تميز بيوت النوبة برأيك ؟

أولا أتحدث عن البعد البيئي فيها ؛ حيث تستخدم خامات صديقة البيئة مثل الطوب اللبن أو الحجارة، وتغطى الجدران بالقباب والأقبية الممتدة؛ مما يعمل على تبريد الهواء وخلق تيارات هوائية مستمرة . وثانيا الطابع الجمالي، وعلينا أن نتذكر في هذا الشأن ما كانت عليه بيوت النوبة القديمة، أو ما بقي منها بعد السد العالي، حيث يشارك الأهالي ليس فقط في عملية البناء بل أيضا في تجميل واجهاتها باللوحات والرسوم الجدارية، ولدينا نماذج عبقرية من إبداعات أبناء النوبة فوق واجهات بيوتهم من هذا النوع.

يضاف إلى ذلك أن هذه البيوت ليست فقط للسكنة أو للراحة، وإنما هي وحدات منتجة؛ حيث يتم بداخلها إقامة ورش إنتاجية للحرف اليدوية التقليدية، مثل أنوال النسيج، سلال الخوص، مقاعد الجريد وكل ما تفيض به البيئة الطبيعية من خامات يتم تصنيعها في أشكال بديعة، تمثل عائدا اقتصاديا جيدا للأسرة.

وأخيرا فإن مثل هذا النمط المعماري يمثل نسيجا اجتماعيا متماسكا بين السكان، سواء في داخل البيت الواحد أو في مجموعة البيوت في النجع أو القرية، وبغياب كل هذا في المشروع الجديد فكأنما نرى أن الدولة تعمل على تفتيت وتمزيق عرى الأسر النوبية وترابطها الاجتماعي في القرية، وتقضي على التطور الاقتصادي المفترض وجوده من خلال الحرف التقليدية، وتعذب أبناء هذه المساكن الخرسانية بوضعهم في أفران ملتهبة كأنهم يعاقبون مرتين، مرة بكارثة السيول، وأخرى بكارثة الغباء الحكومي.

محيط: هل ستتأثر السياحة من ذلك؟

بالتأكيد ستتأثر بالسلب ، ولو وضع المسئولون هذه القرى على الخريطة السياحية ، ما كان من الممكن أن يتخذوا قرارا بهذا الشكل .

محيط: كمسئول عن جمعية "أصالة" ماذا فعلت للتعريف بهذه المشكلة ؟

أصدرنا من الجمعية منذ عام مضى كتابا متخصصا في العمارة الشعبية هو الجزء الثالث من موسوعة الحرف التقليدية، وكان يتضمن تفاصيل كثيرة مما تعرضت له في هذا الحوار، ويحمل أيضا تحذيرا شديدة من خطر اندثار هذه الطرز المعمارية الرائعة، مثل مناطق في أسوان والنوبة والواحات وسيوة ورشيد وغيرها من المواقع المصرية التي تتآكل وتتلاشى يوما بعد يوم، إما بالإهمال أو بالوعي الزائف أو بالإدارة البيرقراطية المتخلفة، ولم نر أي جهة تنتبه إلى هذا الصوت سواء الإعلام أو الحكومة ، علما بأنه أول كتاب يصدر في مصر مخصصا للعمارة الشعبية.

المصدر: محيط

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على رئيس جمعية " أصالة " لـ"محيط" : من يعيد الحياة لبيوت النوبة الشعبية ؟

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
25648

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

حمل تطبيق طريق الأخبار مجانا
إرسل إلى صديق
المزيد من أخبار الفن والثقافة من شبكة عرب نت 5
الأكثر إرسالا
الأكثر قراءة
أحدث أخبار الفن والثفاقة
روابط مميزة